top of page
RoastStages.png

إرث خالد يعبق بالأصالة

ومن بين الرموز التي جمعت القلوب ووحّدت الأرواح رغم تباعد الديار، يسطع فنجان البُن كعنوانٍ للأصالة، وركنٍ راسخٍ من أركان الكرم العربي. تُسكب القهوة في كل مناسبةٍ كأنها لحنٌ يتردّد بين الفرح والحزن؛ تُبهج الأفراح، وتواسي في الأحزان، وتستقبل الضيف بابتسامةٍ تعبق بعبير المروءة، لتظلّ شاهدةً على مكانتها في وجدان العرب عامة، والسعوديين خاصة.
ويُروى أن الفضل في إدخال البُن إلى الجزيرة العربية يعود إلى الشيخ جمال الدين الذبحاني، ذاك التاجر الرحّال الذي جاب المدن والبلدان، فوقع أسيرًا لسحر القهوة وقوامها الفريد. وحين عاد إلى دياره، بعث من يجلبها له من الحبشة، فكانت تلك اللحظة الشرارة الأولى التي أوقدت شعلة القهوة في أرض العرب، لتغدو مع الأيام رمزًا للحياة والكرم والأنس.
إن القهوة السعودية ليست مشروبًا فحسب، بل حكايةٌ تنبض بالعراقة والتاريخ. تفوح رائحتها بدفء البيوت، وتروي فناجيلها الصغيرة قصص الترحيب والتقدير. وفي كل مجلسٍ سعوديّ، تراها تتوسط المكان، تجمع الأحاديث، وتُذيب المسافات بين القلوب، وكأنها لغةٌ لا تُقال بالكلمات، بل تُفهم من عبقها ودفئها.
ومنذ الأزمان البعيدة، اقترنت القهوة بالضيافة والعطاء، فغدت رمزًا للمحبة ووشائج القرب بين الناس. ومع مرور الزمن، لم يخفت بريقها، بل ازداد ألقًا حتى أصبحت جزءًا من هوية المملكة وثقافتها، تُعبّر عن تراثٍ يزهو به الوطن، ودفء إنسانٍ يحتفي بالحياة والبساطة والكرم.
فالقهوة ليست حبوبًا تُحمَّص ولا مشروبًا يُقدَّم، بل حضارةٌ تُروى في كل رشفة، تحمل بين تفاصيلها قصة وطنٍ يفخر بماضيه، ويصون تراثه، ويُهدي العالم عبق نكهته ودفء معانيه.

IMG_2584.JPG
bottom of page